إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
فاسألوا أهل الذكر
5551 مشاهدة print word pdf
line-top
تحذير المفتي من التهاون في الفتوى

فنقول أولا لأولئك الذين قالوا هذه المقالات وتساهلوا فيها، نقول لهم: أربعوا على أنفسكم، فإنكم في هذه الحالة قد أضللتم بشرا كثيرا؛ إذا سمعوا فتواكم إذا سمعوا أنكم -مثلا- أبحتم الأغاني، وأجزتم سماعها مع ما فيها من الخطأ والخطر فإنكم تتحملون الإثم لمن عمل بفتواكم، ولو كنتم معذورين بالاجتهاد، ولكن لستم معذورين إذا تبين لكم الحق والصواب.
كذلك- أيضا- نقول- مثلا- للذين يبيحون الصلاة في البيوت، وترك الصلاة في الجماعة نقول: ارجعوا إلى الأدلة؛ ارجعوا إلى الدليل الصحيح، وتأملوا، ولا تقلدوا من أخطأ، فذلك العالم الذي أخطأ، وقال بهذه المقالة لو تبين له الحق لرجع إليه. لو عرف الدليل صحيحا لكنه ما فهمه، أو ما بلغه، فهو معذور، وأما أنتم فلا عذر لكم، فلا تبيحوا للناس أن يترخصوا ويتساهلوا في ترك الصلوات، وفي هجر الجماعات وما أشبهها.
ونقول -مثلا- للذين يبيحون السفور والتبرج وإبداء المرأة زينتها فنقول: مَنْ قدوتكم في ذلك؟
الذين أفتوا بذلك قديما كانوا مجتهدين، ولو أنهم فهموا الأدلة لرجعوا، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فأنتم قد بلغتكم الأدلة، وعرفتم الصواب، وعرفتم قول جماهير الأمة وقول علمائها؛ فإذا خالفتم الأقوال، واتبعتم هذه الزلات التي هي شاذة ليس عليها دليل فإنكم بذلك تتحملون من أفتيتموه ومن أضللتموه؛ حيث إن الكثير من النساء في هذه الأزمنة يقولون: قد أفتى فلان بجواز إبداء المرأة وجهها وزينتها أمام الرجال، ونسوا قول الله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ إلى آخر الآية. فقالوا: إنه يجوز إبداء المرأة زينتها للأجانب. وهذه زلة زلة عالم؛ إذا قيل إنه عالم، مع أن الذي يعرف الحق ويعدل عنه لا يسمى عالما حقيقيا، ولو بلغ ما بلغ، ولو حمل الشهادات العالية، ولو اشتهر ذكره، ولو كان له مؤلفات ومكاتبات وإذاعات، لا يغتر بقوله؛ حيث إنه قد أخطأ في ذلك، فلا يتبع في هذا الخطأ. يأخذ المسلم الصواب ويتبعه، ولا يأخذ الخطأ الذي يعرف أنه خطأ.
وقد كثرت الفتاوى التي هي مخالفة للصواب، وكل يدعي أنه على حق، وأن الصواب في جانبه، وأنه مع الدليل؛ ولكن لا يتفطن ذلك إلا أهل الذكر وأهل المعرفة، الذين أُمرنا بأن نسألهم في قول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فأهل الذكر هم أهل الله، وهم حملة شرعه، وهم العاملون بدينه، وهم المتبعون للطريق السوي والصراط المستقيم؛ الذين عرفوا كلام الله، وعرفوا معانيه ودلالاته، وعرفوا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفوا ما تهدف إليه الشريعة، واتبعوا ذلك وطبقوه، وتوغلوا في معرفة الأحكام، والحلال والحرام؛ فهؤلاء حقا هم أهل الله، هؤلاء هم أهل الذكر.
فأما الكثير في هذه الأزمنة الذين يتتبعون الرخص، وينظرون ما يميل إليه جماهير الناس فيفتونهم للتسهيل عليهم، ويقولون: لا نكون منفرين.
نقول: قد أخطأتم، وقد تجرأتم على أحكام الله -تعالى- وقد حللتم وحرمتم بأهوائكم، وبما ترونه دون أن يكون لكم دليل تعتمدونه؛ فتثبتوا وتريثوا؛ حتى يظهر لكم الحق والصواب، ولا تقولوا على الله بغير علم فيعاتبكم الله -تعالى- ويعاقبكم على ذلك.
كثر في هذه الأزمنة الذين ينظرون إلى الأسهل. يقولون: ننظر نسهل على الناس، وننظر ما يناسبهم؛ فنحل لهم ما يناسبهم.
فكم ممن أباح حلق اللحى، وقال: رأينا الناس وقعوا في هذا الحلق، وفي إزالة شعر الوجه الذي هو زينة وجمال، ورأوا أن هذا الشعر وهذه اللحية أنها تشويه، وأنها خشونة وأنها وأنها..، فنفتيهم بما يناسبهم.
نقول: قد أخطأتم، وقد خالفتم السنة، وخالفتم الدليل؛ تريدون أن تسهلوا على الناس ولكن تعصون الله. ترضون الناس وتسخطون ربكم، تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس ترضون الناس وتسخطون الله -تعالى- لا يحل لكم ذلك.
وآخرون يقولون: إنا رأينا الكثير من الناس يتثاقلون عن الصلاة في المساجد، فرأينا التسهيل عليهم، ولم نر التشديد؛ فإذا قلنا: لا صلاة لكم إلا في المساجد، وأنتم تسمعون الأذان شددنا عليهم، وكان في ذلك شيء من التنفير، فنحن نقول لهم: صلوا في رحالكم، وصلوا في بيوتكم، والله يُعبد في كل مكان كما يعبرون.
فنقول لهم: قد تجرأتم على الله، وقلتم عليه بغير حق، وكذبتم في زعمكم وفي دعواكم، والله -تعالى- أمر بهذه العبادة على هذه الصفة، وأنتم تخالفون النصوص، وتقولون: إننا نريد أن نسهل على الناس.
ليس هذا تسهيلا. الله -تعالى- ما أمر إلا بما فيه المصلحة، ولم يأمر بما فيه مشقة؛ ولأجل ذلك أسقط الله -تعالى- كثيرا من العبادات لأجل المشقة، فأباح للمريض أن يفطر، وأن يصلي جالسا، وكذلك أباح للمسافر الذي عليه مشقة أن يفطر ويقضي، وأن يقصر الصلاة الرباعية ونحو ذلك، ومع ذلك لم يبح للذين في البلد أن يصلوا في بيوتهم إذا لم يكن هناك عذر من دحض، أو طين أو مزلة أو نحو ذلك؛ فكيف تقولون على الله بغير علم؟!
وإذا قالوا: نبيح للنساء أن يكشفن وجوههن، وذلك لأن هذا قد كثر فيما بيننا، ورأينا الكثير يعيبون المرأة التي تستر وجهها؛ فلأجل ذلك نسهل على الناس، ولا نشدد على المرأة، ونقول: إن هذا قد قال به فلان وفلان، فنسهل على الناس ولا نشدد.
نقول لهم: قد أخطأتم حيث إنكم تتبعون أهواء الناس، وتعدلون عن الحق والصواب.
وهكذا -أيضا- سمعنا كثيرا يقولون: إن الناس إذا ابتلوا بشيء واشتهر فيهم فإن على المفتي أن يسهل عليهم، فإذا رآهم مثلا يشربون الدخان كلهم أو جلهم فلا يقول: إن الدخان حرام؛ بل يقول: إنه مكروه؛ لأن في ذلك عدم قبول لقوله. إذا قال: إنكم قد فعلتم حراما، وإنكم قد شربتم حراما، وإنكم قد عصيتم وقد أذنبتم ذنبا كبيرا. نفروا منه، وقالوا: هذا يكفرنا، وهذا يضللنا، وهذا وهذا...، نتبع فلانا الذي يسهل علينا، والذي يبيح لنا هذا.
فالجواب أن نقول: إن الذي يسهل عليكم قد خدعكم، الذي يسهل في هذه الأمور قد داهن معكم، أما الذي يشدد عليكم فهو الذي نصحكم، وهو الذي بين لكم الصواب، وهو الذي دلكم على الحق، فهل تتبعون من هو ناصح لكم، أو من هو متساهل يضركم في دينكم، وهو يريد أن ينفعكم، أو يخفف عنكم؟
لا شك أن هذا تَجَرَّأَ على الله -تعالى- الذي أفتى بحل ما حرمه الله تعالى.
إذا قال قائل: إن الناس يألفون هذا اللعب، وهذا اللهو؛ فلا بد أن نفسح لهم المجال، وأن نقول لهم: العبوا في أوقات الفراغ، العبوا بما تريدون من اللعب فيه؛ العبوا ورفهوا عن أنفسكم، وسلُّوا أنفسكم بما يسمى مثلا بكيرم، أو بما يسمى ببلوت، أو ما أشبه ذلك، أو كذلك احضروا المباريات، وسامحوا أنفسكم على مشاهدة أولئك المتسابقين، وأولئك اللاعبين. انظروا إليهم عبر الشاشات، أو نحو ذلك؛ حتى تسلوا على أنفسكم، وحتى تجلب إليكم فرحا ومرحا، وضحكا وسرورا، وما أشبه ذلك.
فنقول: إن الذي أفتاكم بذلك قد خدعكم؛ وذلك لأنه سهل لكم ما فيه ضرر عليكم، فهذا اللعب يضيع أوقاتكم، ولا فائدة لكم فيه، وهو تشبه بأهل البطالة. أنتم مأمورون بأن تحفظوا أوقاتكم وتستغلونها فيما يفيدكم، فإذا أفتى مفت بأنه لا حرج ولا ضرر في مشاهدة هذا اللعب، أو في قضاء الأوقات في هذه التسلية، أو في هذا اللعب، فلا تتبعوا من أفتى بإباحة ذلك أو حله؛ فإنه يعتبر قد قال على الله بغير علم، ولو ادعى أنه يسهل عليكم، ولو ادعى أنه يجلب لكم ما يسركم، لا شك أن الذي يفعل ذلك يعتبر قد سهل في نظره على الناس، ولكن أضاع أوقاتهم، وأضرهم، وأضر أبدانهم وأموالهم، وأبصارهم وأسماعهم، فما فائدتهم من هذا السماع، من هذا الغناء، وهذا اللهو واللعب، وما فائدتهم من هذا النظر؟
لا شك أنه ضرر عليهم، يقول القائل:
كـلام أكثر مـن ألقـى ومنظـره
ممـا يشـق على الآذان والحـدق
فهذا الكلام الذين تسمعونه عبر الإذاعات، وهذه الصور التي ترونها في الشاشات، ما الفائدة منها؟ لا شك أنها ضرر، وأن الذين ينظرون إليها يشق عليهم ما يراءونه وما ينظرون إليه، لذلك نقول: لا يتبع الذين يتساهلون في هذا، ويقولون: إنه لا ضرر فيه، وإن فيه وإن فيه.
وبالجملة نقول: إن الكثير في هذه الأزمنة قد تساهلوا في هذه المحرمات، وقد تجرءوا على هذه الأقوال التي يقولونها بغير علم، فمن سمع بهذه الفتاوى فيردها إلى أهلها، ويعطي القوس باريها، وينظر ما يقول به الأئمة الذين هم أهل أن يقتدى بأقوالهم، وعلماؤنا -والحمد لله- فيهم البركة، وقد تعرضوا لكل ما يحتاج إليه المسلم، وأصدروا فتاوى، وطبعت فتاواهم في عدة مجلدات، وانتشرت وتمكن كل من أن يقرأها ويعرف ما تدل عليه.

line-bottom